بدأت المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال مع نزول أرض الجزائر، وكان أقوىحركاتها حركة الجهاد التي أعلنها الأمير عبد القادر الجزائري في[1248هـ=1832م]، واستمرت خمسة عشر عامًا، استخدم فيها الماريشال الفرنسي"بيجو"، وقواته التي وصل عددها (120) ألف جندي، حرب إبادة ضد الجزائريين،والحيوانات، والمزارع، فوقع الذعر في قلوب الناس، واضطر الأمير عبد القادرإلى الاستسلام في [1261هـ=1847م]. لم تهدأ مقاومة الجزائريين بعد عبدالقادر، فما تنطفئ ثورة حتى تشتعل أخرى، غير أنها كانت ثورات قبلية أو فيجهة معينة، ولم تكن ثورة شاملة؛ لذا كانت فرنسا تقضي عليها، وضعفتالمقاومة الجزائرية بعد ثورة أحمد بومرزاق سنة [1288هـ=1872م]، وقلتالثورات بسبب وحشية الفرنسيين، واتباعهم سياسة الإبادة التامة لتصفيةالمقاومة، وفقدان الشعب لقياداته التي استشهدت أو نفيت إلى الخارج، وسياسةالإفقار والإذلال التي اتبعت مع بقية الشعب.
- السياسة الفرنسية في الجزائر
لقد أحدث المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر جروحًا عميقة في بناءالمجتمع الجزائري، حيث عملت فرنسا على إيقاف النمو الحضاري والمجتمعيللجزائر مائة واثنتين وثلاثين سنة، وحاولت طمس هوية الجزائريين الوطنية،وتصفية الأسس المادية والمعنوية التي يقوم عليها هذا المجتمع، بضرب وحدتهالقبلية والأسرية، واتباع سياسة تبشيرية تهدف إلى القضاء على دينه ومعتقدهالإسلامي، وإحياء كنيسة إفريقيا الرومانية التي أخذت بمقولة "إن العرب لايطيعون فرنسا إلا إذا أصبحوا فرنسيين، ولن يصبحوا فرنسيين إلا إذا أصبحوامسيحيين". وكان التوجه الفرنسي يعتمد على معاداة العروبة والإسلام، فعملتعلى محو اللغة العربية، وطمس الثقافة العربية والإسلامية، وبدأ ذلك بإغلاقالمدارس والمعاهد، ثم تدرج مع بداية القرن العشرين إلى منع تعلم اللغةالعربية باعتبارها لغة أجنبية، وعدم السماح لأي شخص أن يمارس تعليمها إلابعد الحصول على ترخيص خاص وفي حالات استثنائية، ومن ناحية أخرى عملت علىنشر الثقافة واللغة الفرنسية، واشترطوا في كل ترقية اجتماعية ضرورة تعلماللغة الفرنسية، كذلك عملوا على الفصل بين اللغة العربية والإسلام،والترويج لفكرة أن الجزائريين مسلمون فرنسيون.واهتم الفرنسيون بالترويج للهجات المحلية واللسان العامي على حساب اللغة العربية، فشجعوا
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]، واتبعوا كل سبيل لمحاربة اللسان العربي، واعتبروا اللغة العربية الفصحىفي الجزائر لغة ميتة. وقد سعى الفرنسيون إلى ضرب الوحدة الوطنية الجزائريةبين العرب والبربر، فأوجدوا تفسيرات مغرضة وأحكاما متحيزة لأحداث التاريخالجزائري، ومنها أن البربر كان من الممكن أن يكون لهم مصير أوروبي لولاالإسلام، واعتبروا العنصر البربري من أصل أوروبي، وحكموا عليه بأنه معادبطبعه للعرب، وسعوا لإثبات ذلك من خلال أبحاث ودراسات تدعي العلمية،وخلصوا من هذه الأبحاث الاستعمارية في حقيقتها إلى ضرورة المحافظة علىخصوصية ولغة منطقة القبائل البربرية بعيدًا عن التطور العام في الجزائر.واتبع الفرنسيون سياسة تبشيرية لتنصير المسلمين خاصة في منطقة القبائل،فتعرض رجال الإصلاح وشيوخ الزوايا للتضييق والمراقبة والنفي والقمع، وفتحتكثير من المدارس التبشيرية وبنيت الكنائس ووجه نشاطها للأعمال الخيريةوالخدمات الاجتماعية لربطها بواقع السكان هناك، وقام الرهبان والقساوسةبالتدريس في الكثير من المدارس. وحسب الإحصائيات الفرنسية بالجزائر فإنمنطقة القبائل كان بها مدرسة لكل (2100) طفل، في حين كانت هناك مدرسة لكلأربعين ألف طفل في بعض المناطق الأخرى بالجزائر. وسعى الفرنسيون إلى عزلبعض المناطق بالجزائر والحيلولة دون اتصالها أو تفاعلها مع باقي المناطقالأخرى، وكان تركيزهم على منطقة القبائل، ورعوا نزعاتها الإقليمية التيتتنافى مع وحدة الشعب الجزائري، وذلك بالاهتمام بالأعراف والتقاليدواللهجات والفولكلور على حساب الثقافة العربية الإسلامية، وصدرت تعليماتواضحة لموظفي الإدارة الاستعمارية الجزائرية تتلخص في ضرورة حماية القبائلوتفضيلهم في كل الظروف على العرب، ولولا المواقف الشجاعة والتضحيات التيقدمها أبناء القبائل لأمكن للمخطط الاستعماري تدمير البنية الاجتماعيةللشعب الجزائري في تلك المناطق.
تجاوب الشعب الجزائري مع السياسة الفرنسية في جميع الجهات بدوناستثناء، لا سيما في المناطق التي عرفت ضغطًا فرنسيًا مكثفًا لتحويلاتجاهها الوطني، فلم يكن للإعانات ولا المساعدات التي تقدمها الإرسالياتالتبشيرية ولا للتعليم الذي وفرته المدرسة الفرنسية، ولا للمستوطنينالفرنسيين، ولا للمهاجرين الجزائريين الذين تنقلهم السلطات للعمل في فرنساـ أثر في فرنسة الشعب الجزائري ، وهو ما دفع مخططي السياسة الفرنسية إلىاتهام الجزائريين بأنهم شعب يعيش على هامش التاريخ. وحارب الشعب سياسةالتفرقة الطائفية برفع شعار "الإسلام ديننا، والعربية لغتنا والجزائروطننا" الذي أعلنه العالِم والمجاهد الجليل عبد الحميد بن باديس، ورأىالمصلحون من أبناء الجزائر في ظل فشل حركات المقاومة، أن العمل يجب أنيقوم –في البداية- على التربية الإسلامية لتكوين قاعدة صلبة يمكن أن يقومعليها الجهاد في المستقبل، مع عدم إهمال الصراع السياسي فتم تأسيس جمعيةالعلماء المسلمين الجزائريين عام [1350هـ=1931م] بزعامة ابن باديس، التيافتتحت مدارس لتعليم ناشئة المسلمين، وهاجم ابن باديس الفرنسيين وظلمهم،وشنع على عملية التجنس بالفرنسية وعدها ذوبانًا للشخصية الجزائريةالمسلمة، وطالب بتعليم اللغة العربية والدين الإسلامي، وأثمرت هذه الجهودعن تكوين نواة قوية من الشباب المسلم يمكن الاعتماد عليها في تربية جيلقادم. وعلى الصعيد السياسي بدأ الجزائريون المقاومة من خلال التنظيمالسياسي الذي خاض هذا الميدان بأفكار متعددة، فمنهم من يرى أن الغاية هيالمساواة بالفرنسيين، ومنهم الشيوعيون، والوطنيون المتعصبون، وظهرت عدةتنظيمات سياسية منها: حزب الجزائر الفتاة، وجمعية نجم شمالي إفريقيابزعامة مصالي الحاج الذي عرف بعد ذلك بحزب الشعب الجزائري، وتعرض زعيمهإلى الاعتقال والنفي مرات كثيرة.
اشتعلت الحرب العالمية الثانية ولم تمض شهور قليلة حتى انهارت فرنساأمام ألمانيا، وبدا للشعوب المستعمرة أن قوة فرنسا لم تكن إلا عليهم فقط،وأن هيبتها لم تكن إلا في هذه القلوب المستضعفة، وأدى ذلك إلى تعاون كثيرمن المستوطنين الموجودين في الجزائر مع حكومة فيشي الموالية للألمان فيفرنسا، وظهرت أصوات المستوطنين الفرنسيين تعلو بأن فرنسا ارتكبت أخطاء،وأن عليها أن تدفع الثمن وحدها، أما الجزائريون فذهب كثير منهم إلى الحربللدفاع عن فرنسا، فدُمر الإنتاج في الجزائر وزادت صعوبات الحياة؛ لذلكتقدموا ببيان إلى السلطات الفرنسية يطالبون فيه بحق تقرير المصير، تقدم بهفرحات عباس –زعيم حزب اتحاد الشعب الجزائري-، ورفضت فرنسا قبول البيانكأساس للمحادثات، فأحدث ذلك رد فعل عنيفا عند الجزائريين الذين أصروا علىتمسكهم بالبيان والتزامهم به، ففرض الجنرال كاترو الحاكم العام في الجزائرالإقامة الجبرية على فرحات عباس وغيره من الزعماء الجزائريين. أسس فرحاتعباس حركة أصدقاء البيان والحرية في [ربيع أول 1363هـ=مارس 1944] وكانيدعو إلى قيام جمهورية جزائرية مستقلة ذاتيًا ومتحدة مع فرنسا، وهو ما سببخلافًا بينه وبين مصالي الحاج الذي نصحه بقوله: "إن فرنسا لن تعطيك شيئًا،وهي لن ترضخ إلا للقوة، ولن تعطي إلا ما نستطيع انتزاعه منها". ولم يمضوقت طويل حتى استغلت فرنسا قيام بعض المظاهرات في عدد من المدن الجزائريةوإحراقها للعلم الفرنسي حتى ارتكبت مذبحة رهيبة سقط فيها (45) ألف شهيدجزائري، وكان ذلك تحولاً في كفاح الجزائريين من أجل الحرية والاستقلال، إذأدركوا أنه لا سبيل لتحقيق أهدافهم سوى العمل المسلح والثورة الشاملة،فانصرف الجهد إلى جمع الأسلحة وإعداد الخلايا السرية الثورية بتوجيهوتمويل ودعم
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] حتى يحين الوقت المناسب لتفجير الصراع المسلح.